سورة البقرة - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


الآية الأولى:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ} قال ابن كيسان: أي من أجلكم.
وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة حتى يقوم دليل على النقل عن هذا الأصل، ولا فرق بين الحيوانات وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر، وفي تأكيد ما في الأرض بقوله: {جَمِيعاً} أقوى دلالة على هذا.
وقد استدل بهذه الآية على تحريم أكل الطين لأنه تعالى خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض.
وقال الرازي في تفسيره: إن لقائل أن يقول: إن في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الأرض فيكون جامعا للوصفين، ولا شك أن المعادن داخلة في ذلك وكذلك عروق الأرض وما يجري مجرى البعض لها ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه؟ انتهى.
وقد ذكر صاحب الكشاف ما هو أوضح من هذا فقال: إن قلت: هل لقول من زعم أن المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة؟ قلت: إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء- كما تذكر السماء ويراد الجهات العلوية- جاز ذلك فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية. انتهى.
قال الشوكاني في فتح القدير: وأما التراب فقد ورد في السنة تحريمه، وهو أيضا ضار فليس مما ينتفع به أكلا ولكنه ينتفع به في منافع أخرى وليس المراد منفعة خاصة كمنفعة الأكل بل كلما يصدق عليه أنه ينتفع به بوجه من الوجوه.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله تعالى هذا: {سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ}: جميعا كرامة من اللّه ونعمة لابن آدم وبلغة ومنفعة إلى أجل.


الآية الثانية:
{وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}.
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} أي قولوا لهم قولا حسنا، فهو صفة مصدر محذوف وهو مصدر كبشرى.
وقرأ حمزة والكسائي حسنا بفتح الحاء والسين وكذلك قرأ زيد بن ثابت وابن مسعود.
وقال الأخفش: هما بمعنى واحد مثل البخل والبخل والرّشد والرّشد.
والظاهر أن هذا القول الذي أمرهم اللّه به لا يختص بنوع معين بل كلما صدق عليه أنه حسن شرعا كان من جملة ما يصدق عليه هذا الأمر.
وقد قيل إن ذلك هو كلمة التوحيد وقيل: الصدق، وقيل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقيل: هو اللين في القول والعشرة وحسن الخلق، وقيل غير ذلك.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله هذا: قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وروى البيهقي في الشعب عن عليّ عليه السلام في قوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ}، قال: يعني الناس كلهم.
ومثله روى عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء.


الآية الثالثة:
{وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102)}.
السّحر: هو ما يفعله السّاحر من الحيل والتخييلات التي يحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة الشبيهة بما يقع لمن يرى السّراب فيظنه ماء، وما يظنه راكب السفينة أو الدابة من أن الجبال تسير.
وقد اختلف: هل له حقيقة أم لا؟ فذهبت المعتزلة وأبو حنيفة إلى أنه خدع لا أصل له ولا حقيقة وذهب من عداهم إلى أن له حقيقة مؤثرة.
وقد صح أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سحر: سحره لبيد بن الأعصم اليهودي حتى كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولم يكن قد أتاه!! ثم شفاه اللّه سبحانه والكلام في ذلك يطول.
قال الزجاج في قوله: {وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ}: تعليم إنذار من السحر لا تعليم دعاء إليه.
قال: وهو الذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر ومعناه أنهما يعلمان على النهي فيقولان لهم: لا تفعلوا كذا و{مِنْ} في قوله: {مِنْ أَحَدٍ} زائدة للتوكيد.
وقد قيل: إن قوله: {يُعَلِّمانِ} من الإعلام لا من التعليم. وقد جاء في كلام العرب تعلم بمعنى أعلم، كما حكاه ابن الأنباري وابن الأعرابي وهو كثير في أشعارهم كقول كعب بن مالك:
تعلم رسول اللّه أنك مدركي *** وأن وعيدا منك كالأخذ باليد
وقال القطامي:
تعلم أن بعد الغيّ رشدا *** وأن لذلك الغي انقشاعا
وفي قوله: {فَلا تَكْفُرْ} أبلغ إنذارا وأعظم تحذيرا: أي أن هذا ذنب يكون من فعله كافرا فلا تكفر. وفيه دليل على أن تعلم السحر كفر وظاهره عدم الفرق بين المعتقد وغير المعتقد، وبين من تعلّمه ليكون ساحرا ومن تعلّمه ليقدر على دفعه.
وفي إسناد التفريق إلى السّحرة وجعل السّحر سببا لذلك، دليل على أن للسحر تأثيرا في التلوث بالحب والبغض، والجمع والفرقة، والقرب والبعد.
وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر اللّه من التفرقة لأن اللّه تعالى ذكر ذلك في معرض الذم للسّحر وبين ما هي الغاية في تعليمه فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره.
وقالت طائفة أخرى: إن ذلك خرج مخرج الأغلب وأن السّاحر يقدر على غير ذلك المنصوص عليه أيضا.
وقيل: ليس للسّحر تأثير في نفسه أصلا، لقوله: {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.
والحق أنه لا تنافي بين قوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وبين قوله: {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيرا في نفسه ولكنه لا يؤثر ضررا إلا فيمن أذن اللّه بتأثيره فيه.
وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيرا في نفسه وحقيقة ثابتة ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة كما تقدم.
وفي قوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} تصريح بأن السحر لا يعود على صاحبه بفائدة ولا يجلب إليه منفعة بل هو ضرر محض وخسران بحت.
قال أبو السعود: فيه أن الاجتناب عما لا تؤمن غوائله خير: كتعلم الفلسفة التي لا يؤمن أن تجر إلى الغواية. انتهى.
والمراد بالشراء هنا الاستبدال، أي من استبدل ما تتلو الشياطين على كتاب اللّه.
والخلاق: النصيب عند أهل اللغة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8